القاعدة القانونية ( أهميتها، أسسها و وظائفها)
-1أهمية القاعدة القانونية
من خلال تعريف القانون على أنه مجموعة من القواعد القانونية التي تعمل على تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع " يتبين أن القانون هو ظاهرة اجتماعية حتمية، بحيث لا يمكن تصور المجتمع بدون قانون، ولا قانون بدون مجتمع كما قال الرومان، فالقانون والمجتمع قرينتان لا ينفصلان، فلا قانون بلا مجتمع ولا مجتمع بلا قانون أو يوجد القانون كلما وجد المجتمع.
وهذا ما أكدته مجموعة من الآيات القرآنية ومنها ما يشير للطبيعة الاجتماعية للإنسان في قوله"
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".1كما يشير القرآن الكريم لحاجة الإنسان للمنهج المنظم لحياته في قوله " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".2فهاتان الآيتان الكريمتان توضحان أنه لا يمكن للفرد أن يعيش وحده داخل المجتمع، إذ لابد من الاحتكاك والتعارف والتعاون، إلا أنه أمام هذا التعايش والتعارف ضرورة وجود منهج يهتدى به، أي نظام يؤطر العلاقات الإنسانية.1 - سورة الحجرات، الآية .13 2 - سورة البقرة، الآية .38و انطلاقا من مبدأ التعارف والتعايش والتآلف فيما بين الأفراد، فإنه كان لزاما إلى قوانين ثابتة لتنظيم حياة وتصرفات الأفراد. فالواقع يدلنا على أنه لا تقوم الحاجة إلى القانون إلا إذا وجد مجتمع يهدف من خلاله القانون إلى تنظيم العلاقات بين أفراده. فوجود إنسان منعزل في جزيرة مهجورة لن يكون بحاجة إلى قانون يحكمه لانعدام المجتمع الذي هو قرين القانون، لعدم تصور وجود نزاع أو تضارب للمصالح حتى نحتاج لقانون لحل هذه المشاكل.فبما أن الإنسان كائن اجتماعي و أنه منذ أقدم العصور و هو يميل إلى الحياة مع غيره، وأن أسطورة الفرد المنعزل خرافة لا وجود لها، و بما أن الإنسان ذاته نتيجة اجتماع ذكر وأنثى وهو بفطرته يميل إلى الحياة داخل المجتمع؛ كان حتما عليه أن يعيش داخل المجتمع، وأن تقوم بينه وبين الآخر علاقات ، سواء أكانت علاقات تنافر أم تعاون من شأنها أن تؤدي حتما إلى قيام منازعات تحتاج إلى حل. و كما هو معلوم أن الإنسان بطبيعته أناني يرغب قدر المستطاع في إشباع حاجيته اللامتناهية على حساب الموارد الموجودة والتي بطبيعتها محدودة؛ كان لابد من وجود القانون لحفظ كيان المجتمع.فالقانون ملازم للمجتمع في نشأته، مساير له في تطوره؛ وظيفته تنظيم علاقات الناس في المجتمع و بث روح الطمأنينة بينهم و تحقيق العدالة.2 - أسس القاعدة القانونية
يقصد بأسس القاعدة القانونية أصولها وماهيتها، والبحث في ذلك يجعلنا نطرح التساؤلات التالية: هل القانون ينبثق من ضمير المجتمع بطريقة طبيعية ؟ أم أن لإرادة الإنسان أثرا في إنشائه؟وللإجابة عن هاته التساؤلات يتطلب منا الأمر التعرض لأهم الشرائع والمذاهب التي كان لها الدور في تأسيس القانون. ومن تم سنتعرض للقانون الروماني و التشريع الإسلامي في الفقرة الأولى على أن نخصص الفقرة الثانية للمذهب الوضعي والمذهب الطبيعي.أولا: القانون الروماني
كان القانون الروماني مطبقا في معظم البلاد وهو امتزاج ساهمت فيه معظم الحضارات، وقد بدأ القانون الروماني كقانون بسيط يحكم شعبا صغيرا يعيش حياة بدائية، ونتيجة للفتوحات الرومانية وتوسع العلاقات التجارية للدولة؛ ازداد سلطان هذا القانون فنشأت قواعد وأحكام جديدة تلائم مقتضيات وأحوال المجتمع وعاداته، و هذا ما أدى إلى تغيير القانون الروماني حتى انتهى إلى وضع قانون الألواح الإثنى عشر 3الذي تناول نصوصا متعلقة بالعقوبات و بنظام الأسرة ، و الأموال، وهكذا تعتبر دراسة الفقه الروماني مجالا خصبا لمعرفة تطور قواعد القانون عبر مختلف الحقب التاريخية، فهي و إن كانت بدائية تحكم مجتمعا زراعيا فإنها الآن تعد مصدرا للعديد من القوانين المعاصرة، و ذلك راجع لامتياز فقهاء القانون الروماني بالسمو في التفكير و دقة أبحاثهم ووضوح عباراتهم و متانة تحليلاتهم، ومرونة حلولهم و أحكامهم، و هكذا أصبح القانون الروماني الأساس لمعظم التقنيات العالمية ومن ضمنها نجد المغرب.ثانيا: الشريعة الإسلامية و الفقه الإسلامي
تعد الشريعة الإسلامية مجموعة من الأحكام شرعها الله سبحانه لعباده لتصلح أحوالهم في الدنيا والآخرة. فالشريعة الإسلامية هي مجموعة من الأحكام التي شرعها الله لعباده سواء أكان تشريع هذه الأحكام بالقران أو بسنة رسوله عليه أفضل الصلاة و السلام. وتنقسم الأحكام الدينية إلى قسمين كبيرين هما فقه العبادات وفقه المعاملات، فإذا كان قصد الإنسان هو التقرب إلى الله وتحصيل ثواب الآخرة فهذا من قسم العبادات، و أحكام العبادات هي التكاليف الشرعية التي يتعبد بها الانسان تقربا إلى الله عز و جل عن طريق الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج... و عموما فهي أحكام تنظم علاقة الإنسان بخالقه، لأن الله سبحانه لا يعبد بجهل و إنما بأحكام معينة شرعها الله على نبيه عيه أفضل صلاة و سلام من خلال القران و السنة النبوية الشريفة. أما إذا كان الغرض هو مصالح الدنيا فذلك يدخل في قسم المعاملات أي الأحكام التي تنظم علاقة الإنسان بغيره. و يدخل في باب المعاملات أحـــكام الزواج و الطلاق و ما يرتبط بهما من استبراء و رضاعة ، إلى جانب أحكام العقود كالبيع ، الكراء، الرهن ، التبرعات، الوصايا و المواريث. أما الفقه الإسلامي فيتمثل في العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية. والاجتهاد يكون في مسائل العقائد ولا يكون في مسائل الأصول. يقول ابن خلدون في المقدمة " الفقه هو معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب و الندب و الكراهة و الإباحة" و الفقه ما يفهمه الفقهاء من نصوص الشريعة و ما يستنبطونه من أحكام من تلك النصوص ويقررونه و يؤصلونه. فالشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي تضمنا مجموعة من الأحكام والقواعد عملت على تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وكذلك تضمنا مجموعة من الأحكام لضبط المجتمع ونشر الأمن فيه. ومن خلال قراءتنا لمجموعة من القوانين الوضعية يتبين لنا أنها استنبطت الكثير من الأحكام والقواعد من الشريعة الإسلامية و الفقه الإسلامي ،4كقانون الأسرة مثلا. وهناك من القوانين من أحالت عليها في حالة وجود فراغ تشريعي كمدونة الحقوق العينية. خلاصة القول في هذه النقطة المتعلقة بالقانون الروماني والتشريع الإسلامي أنه يرجع لهما الفضل الكبير في المساهمة في خلق القواعد القانونية وفي صياغتها.5الفقرة الثانية: المذاهب المختلفة في أصل القانون
توجد آراء ومذاهب شتى ذهبت في تصوير كيفية نشوء القواعد القانونية الملزمة للأفراد في المجتمع، ومن بين هذه المذاهب: المذهب المثالي أو (القانون الطبيعي،) والمذهب الوضعاني، أو نظرية (القانون الوضعي). ففقهاء المذهب الوضعي يركزون على الدور الذي تلعبه السلطة العامة في وضع القاعدة القانونية، فيرون أن القانون ما هو إلا من عمل المشرع وإرادة الدولة في التنظيم على أساس أن الطبقة الحاكمة هي التي تضع القوانين للطبقة المحكومة، وما على الطبقة المحكومة إلا أن تخضع لأوامر السلطان في تنظيم العلاقات بين الأفراد. ومن أهــــم هذه المذاهب الشكلية مدرسة (الشرح على المتون) ونظرية الفقيه الانجليزي (أوســتن)، ومن أنصارها الفيلسوف الإنجليزي (تومــاس هوبز) والفيلسوف الألماني (هيجــل) ؛حيث عمل هيجل في تفسير وجود القانون بسياسة الأمر الواقع وقوة الدولة. وقد انتقدت المذاهب الوضعية على أساس أنها أهملت دور المجتمع بعوامله العديدة كالبيئة والعادات والتقاليد والأخلاق في صياغة القاعدة القانونية، حيث دافع على هذا الطرح العديد من الفقهاء ومن ضمنهم دور كهيم الذي أكد على أن المجتمع المصدر الأساسي للقانون. وفي هذا السياق ذهب مجموعة من الباحثين إلى استخلاص أنه يوجد تشابه كبير، لكن في حدود معينة بين المذهب الماركسي والمذهب الوضعاني السوسيولوجي. حيث يرى المذهب الماركسي أن القانون يخدم الطبقة المسيطرة وهذا التحليل يندرج في إطار الصراع الطبقي وهو معطى جوهري في التحليل الماركسي.8أما المذهب المثالي أو مذهب القانون الطبيعي يمكن تعريفه بأنه مجموعة من القواعد القانونية يفرضها العقل أو النظام الطبيعي للأشياء، وليس الدولة أو المجتمع. فالقانون الطبيعي حسب نظر هذا المذهب هو قانون ثابت لا يتغير بتغير الزمان والمكان ويكشف العقل البشري عن هذا القانون الطبيعي ويخضع جميع الناس لسلطانه وهو يوجههم لما فيه خيرهم وصالحهم فالقانون الطبيعي حسب الفلاسفة الإغريق الذين يعتبرون الأصول الأولى هو العقل.ومن ثم فالمذهب الطبيعي يبني تصوره للقانون على مبادئ أولية قبلية يستنبطها من طبيعة الإنسان باعتباره كائنا عاقلا يسعى بعقله نحو مثل أعلى. أما المذهب الوضعي فينظر إلى القانون باعتباره نتاجا حتميا للواقع المادي الذي يتكون منه المجتمع الذي ينظمه.وبالرغم من مجموعة من الانتقادات التي وجهت للمذهب المثالي، فإن مذاهب القانون الطبيعي ما زالت حية في صورة أو أخرى، فالفقيه الفرنسي genyيعتبر أن القانون الطبيعي ينحصر في مجموعة من المبادئ التي كانت في مختلف العصور والحضارات مثل واجب الامتناع عن إيذاء الغير، وإعطاء كل ذي حق حقه، احترام الفرد لما التزم به تجاه الغير....3 - وظيفة القانون
كما سبق وأشرنا، أن القانون هو مجموعة من القواعد الملزمة المقترنة بالجزاء والمنظمة للسلوك في المجتمع حيث يعد ضرورة اجتماعية، إذ لا مجتمع بغير قانون ولا قانون بغير مجتمع، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي. وانطلاقا من ذلك سوف نتطرقلأهم وظائف القاعدة القانونية والتي تتجلى في: تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي وكذلك تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، و أخيرا تحقيق العدالة.الفقرة الأولى: تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي
فالأمن الاجتماعي يحتل مكانا بارزا بين اهتمامات الدولة والمواطنين وذلك نظرا لما يوفره من طمأنينة في النفوس و السلامة في التصرف و التعامل، فاستقرار المجتمع و استتباب الأمن فيه من الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها الدولة حتى يطمئن الفرد و المجتمع إلى حياتهم و أموالهم و أعراضهم و حرياتهم، و إذا تحقق ذلك يتفرغ المواطن إلى استخدام قدراته ومواهبه الخلاقة من أجل تقدم المجتمع و توفر الرخاء و السعادة فيه، و بدون هذه الطمأنينة و هذا الاستقرار فإن الإنسان يكون مضطرا إلى التفكير في الوسائل التي تكفل حماية أسرته ضد مختلف الشرور و التهديدات، و بالتالي يؤثر ذلك سلبا على تقدم و تطور مجتمعه.الفقرة الثانية: تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة
فهذا الهدف يتجلى أن الفرد مجبور للعيش داخل الجماعة، ولما كان الفرض تطغى عليه نزعته الأنانية وحبه لذاته وتفضيله لمصلحته، كان لابد من وجود قانون يقوم بتحقيق التوازن بين مصالح الأفراد من جهة والمصالح العامة من جهة أخرى على اعتبار أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة عند تعارضهما.ويمكن القول أن هاتين الغايتين اللتين يسعى القانون إلى التوفيق بينهما و هما مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، عرفتا تصارعا مستمرا في كل الأزمنة و الأمكنة، لذلك فإن وضع القانون غالبا ما يتأثر بطبيعة التصور السائد في المجتمع ، فإذا كان التصور الليبرالي الفردانيهو المهيمن، فإنه من الطبيعي أن ترجح مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، ولعل من أهم النتائج المترتبة عن هيمنة هذا التصور في المجال القانوني بطبيعة الحــــال هو أن يتم إعطاء الأولوية للإرادة، كما هو الشأن بالنسبــة لق.ل.ع المغربي الذي ساد فيه مبدأ سلطان الإرادة، بل إن الأحكام التي تضمنها هذا القانون أو الأحكام التي تضمنها القانون المدني الفرنسي الذي يعتبر مصدرا أساسيا لقانون الالتزامات والعقود المغربي، تدل بما لا يدع مجالا للشك على هيمنة التصور الليبرالي هذا ما تؤكده القاعدة المشهورة "من قال عقدا قال عدلا "التي تعني كل ما هو تعاقدي هو عادل و هذا ما أكده الفصل 230ق.ل.ع الذي بقابله في القانون المدني الفرنسي الفصل .1134غير أنه إذا كان التصور الاجتماعي هو المهيمن أو السائد فإن القانون سوف يعطي الأولوية لمصلحة الجماعة مع ما يترتب عن ذلك على مستوى الآثار القانونية من تقييد حرية الأفراد وتنامي القواعد الآمـرة على القواعد المكملة.الفقرة الثالثة: تحقيق العدالة
ذهب بعض الفقه إلى تعريف العدالة على أنها "حمل النفس على إيتاء كل ذي حق حقه، والتزام ذلك على وجه الثبات والإستمرار"، ويعرفها بعض آخر: بأنها" التعبير الصادق عن الشعور بالمساواة الحقيقية والسعي إلى تأكيدها في واقع الحياة، أو هي امتلاء النفس بالشعور بالمساواة الواقعية التي تكترث بالظروف الخاصة والجزئيات الدقيقة وتقتضي التماثل في المعاملة للحالات المماثلة في ظروفها وتفاصيلها."فمنذ أن وجد الإنسان وهو يسعى إلى تحقيق العدل، وبالتالي ذهب جانب من المفكرين والفلاسفة إلى جعل كل ما هو قانوني هو عادل، أي كل ما يعده القانون عادلا والعكس صحيح فالقاعدة القانونية تسعى إلى تحقيق العدالة بين الناس كي لا تكون هناك محاباة بينهم، وبذلك تتحقق المساواة بين الناس في الأعباء و النوايا.