ضمانات التحكيم التجاري
ضمانات التحكيم التجاري اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه بكلية العلوم القانونية، التحكيم التجاري، ضمانات تحكيم التجاري دراسة المقارنة، ضمانات التحكيم التجاري على شكل pdf .
يعتبـر التحكيم من أقـدم المؤسسات التي أُسند إليها مهمة حل النزاعات و تسويتها، حيث صاحب الإنسان منذ عهود قديمـة، وتطـور بتطور المبادلات التجارية بين الشعوب والقبائل، حتى أصبح عادة مترسخة في نفوس الناس والوجهة الوحيدة العادلة للبت في قضاياهم وخلافاتهم، وهـذا ما حدا بالفيلسوف أرسطو إلى القول " بأن أطراف النزاع يستطيعون تفضيل التحكيم عـن القضاء، ذلك لأن المحكم يرى العدالة، بينما القاضي لا يعتـد إلا بالتشريـع"
وقد اهتم العرب أيضا بهذه الآليـة وفي وقت مبكر لظهور مبادئ الحضارة العربية في شبه الجزيرة، وكان من الرائج أن يلجأ الأفراد إلى المحكمين، مثل وشيخ القب ،لائ أو الكهنة في كل نزاع نشب بينهم مما جعل التحكيم يكتسب في هذه الظرفية مكانة خاصة نتيجة الممارسة المتكررة والعرف المحلي ، حيث كان الحل الوحيد لوقف انهاء العديد من الحروب على غرار حرب داحس والغبراء التي دامت أكثر من أربعين سنة و ذلك بالرغم من بساطة الإجراءات التي كان يتم بها التحكيم في هذه العصور إلى أن جاء الإسلام حيث باركت عيشر تنا الغراء نظام التحكيم لأهميته و حاجة الناس إليه، فشرع االله سبحانه وتعالى التحكيم في النزاعات الزوجية ، حيث يقول عز وجل: { وإن خفتم شقا ق بينھما فابعثوا حكما من أھله وحكما من أھلھا إن يريد ا إصلاحا يوفق بينھما، إن كان عليما خبيرا}.
ووفي السنة النبوية ما روي أن ابن شرح قال: "يا رسول االله، إن قومي إذا اختلفوا في شيء، فأتوني فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان، فقال الرسول: ما أحسن هذا" ، كما يروى أن الصحابة رضوان االله عليه ملجؤو ا إلى التحكيم واعتمدوه في عدة مجالات من حياتهم، و حتى في أمور الخلافة، ولا أدل على ذلك احتكام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان لإنهاء الاقتتال بينهما في واقعة صفين.
وإذا كان التحكيم وسيلة اختيارية يلجأ إليها الأفراد بمحض إرادتهم لفض نزاعاتهم، قد نشأ وترعرع في جميع الحضارات والمجتمعات، فإن هذه الآلية الناجعة قد تطورت بشكل كبير وأصبحت لها أهميتها البالغة في وقتنا الحاضر الذي شهد
– ويشهد - العديد من التحولات العميقة، والمعطيات الجديدة، بفعل ازدهار العلاقات التجارية الدولية واتساع مجالاتها نتيجة التطور الصناعي والاقتصادي و التكنولوجي الذي عرفته العديد من دول العالم و بروز حتمية الانفتاح والعولمة، وما صاحب ذلك من سهولة المواصلات، وانتقال رؤوس الأموال، هذا بالإضافة إلى تسابق الدول
–لاسيما دول العالم الثالث- نحو استقطاب الاستثمارات الأجنبية، باعتبارها من أبرز الخيارات الاستراتيجية المرتبطة بالتنمية الشمولية .في هذا السياق إذن، ونظرا لعدم ملاءمة التنظيمات القضائية والقوانين الوضعية لبعض الدول مع طبيعة المعاملات التجارية
- لا سيما الدولية منها - و الخلافات الناشئة عنها، حيث يختلط فيها الجانب القانوني بالاقتصادي، وتتطلب السرعة الممكنة في فضها،برزت أهمية التحكيم التجاري، حيث أضحت الوسيلة الفعالة والقادرة على حل النزاعات التجارية وفك رموزها، بفضل ما تقدمه هذه المؤسسة للمحتكمين من مزايا وضمانات تساعدهم على تطوير تجارتهم من ثقـة و سرعة و مرونة في الإجراءات و تحرر من تعقيدات العديد من القواعد القانونية الوطنية، إلى جانب الحرية الكبيرة التي يتمتع بها الأطراف في تنظيـم و تسيير العملية التحكيمية، ناهيك عن المبادئ الأساسية التي يجب على الهيئات التحكيمية احترامها خلال إجراءات الدعوى التحكيمية.
وكلها مميزات تساعد وبحق في توفير الجو الملائم للاستثمار وللمعاملات التجارية ويشجع على استقرارها، كما يساهم أيضا في إرساء وترسيخ دعائم الأمن القانوني و القضائي اللازم لحل المنازعات الناشئة عنها .
لهذا أصبح التحكيم التجاري من مظاهر الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي، وأداة مبتغاة لتنظيم وتنشيط التجارة الدولية، وعامل مهم وأساسي لتدفق الاستثمارات، وتخفيف العبء عن القضاء الوطني، الأمر الذي دفع مختلف الدول-وعلى أعلى مستوياتها- إلى الاهتمام بهذه الوسيلة السلمية.
وفي هذا الصدد جاء في خطاب سامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره االله بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ 29 يناير 2003 بأكادير ما يلي:"... وتجسيدا لنهجنا الراسخ للنهوض بالاستثمار وتفعيلا لما ورد في رسالتنا الموجهة لوزيرنا الأول في هذا الشأن، ندعو حكومتنا إلى مواصلة الجهود لعصرنة القضاء، بعقلنة العمل وتبسيط المساطر وتعميم المعلوميات، كما يجب تنويع مساطر التسوية التوافقية، لما قد ينشأ من منازعات بين التجار، وذلك من خلال الإعداد السريع لمشروع قانون التحكيم التجاري الوطني و الدولي، ليستجيب نظامنا القضائي لمتطلبات عولمة الاقتصاد وتنافسيته ويسهم في جلب الاستثمار الأجنبي".
وأضاف جلالته في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب بتاريخ 20 غشت 2009 بتطوان أنه:"...وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة و التحكيم والصلح..."