أخر الاخبار

رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية

 رقابة القضاء الإداري على الجماعات الترابية


عمل المغرب منذ بداية االستقالل على تطوير تجربته في مجال الالمركزية كنظام لتوزيع الوظائف اإلدارية بين السلطة المركزية في العاصمة والجماعات الترابية . وقد عرف التنظيم اإلداري الالمركزي العديد من التطورات واإلصالحات الهامة يمكن اختزالها في ثالثة مراحل أساسية كاألتي : في فترة ما قبل الحماية تميزت هذه المرحلة بنوع من الالمركزية الواقعية حيث كان التنظيم السياسي آنذاك يتميز بمركزية مفرطة جسدها جهاز المخزن المتمثل في السلطان والوزراء ، فالسلطة المخزنية وممثليها هم الذين كانوا يقومون بتدبير الشؤون المحلية للسكان . أما على مستوى البوادي وبالضبط في المناطق ذات الخصوصية األمازيغية والتي سميت ببالد السيبة فكانت تعرف ما يسمى بنظام الجماعات كمؤسسة أو تنظيم محلي تقليدي، فقد لعبت دورا مهما في تدبير شؤونها المحلية بنفسها وذلك بواسطة مجلس الجماعة الذي ظل يفصل في الشؤون السياسية واالقتصادية واالجتماعية . وفي فترة الحماية بادرت سلطات الحماية الفرنسية إلى وضع اإلطار القانوني لإلدارة المحلية وقد ظلت اإلدارة البلدية والقروية في هذه الفترة من الناحية العملية تحت التبعية الكاملة للسلطة المركزية وممثليها الذين كانو يخلطون بين ممارسة الرقابة االدارية والرقابة السياسية على الهيئات التمثيلية السلطة المخزنية. غير أنه تنبغي اإلشارة مع ذلك إلى أن عهد الحماية كان له الفضل الكبير في رسم اإلطار الضروري وتمهيد الطريق إلقامة المركزية محلية وفق األسس الحديثة في مغرب ما بعد االستقالل . أما فيما يخص مرحلة ما بعد االستقالل فقد عمل المغرب على أن يجعل من الجماعات المحلية النواة األولى والخلية األساسية في بناء هيكله السياسي واإلداري

والديمقراطي حيث اتجه القرار السياسي إلى اعداد مجموعة من اإلصالحات المتدرجة أسست لكفالة حقوق الساكنة في تسيير وتدبير الشأن المحلي . وهكذا وفي 23 يونيو 1960 صدر أول ظهير 1 أساسي لتنظيم وضبط إدارة الجماعات الحضرية والقروية الذي أقر بوجود المقومات األساسية التي ينبغي أن يستوفيها كل نظام إداري ال مركزية عصري ، إذ أصبحت الجماعات الحضرية والقروية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي واإلداري وأسندت مهمة تدبير القضايا المحلية بها إلى مجالس منتخبة خولت لها اختصاصات تقريرية ، فصدور هذا الظهير جاء سابقا على الدستور األول للمملكة الشيء الذي أمكن معه القول بأن الجماعة هي أول تنظيم إداري مقنن والنواة األولى للحكم المحلي في عهد االستقالل . وبعد ظهير 1960 جاء أول دستور للمملكة سنة 1962 والذي نص في فصله 93 غلى أن " الجماعات المحلية بالمملكة هي: العماالت واألقاليم والجماعات ويكون إحداثها بالقانون". وقد شملت هذه القوانين المنظمة للتنظيم اإلداري المغربي مجموعة من التطورات واإلصالحات المتواصلة بهدف تعزيز وتدعيم الديمقراطية المحلية ، حيث 2 توجت بصدور ظهير 30 شتنبر 1976 الذي شكل إصالحا مهما في تاريخ التنظيم الجماعي بالمغرب ، وذلك من خالل منحه للمجالس الجماعية اختصاصات وصالحيات واسعة في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية واعتبر رئيس المجلس الجماعي بمثابة جهاز تنفيذي على مستوى الجماعات ومنحه اختصاصات مهمة . كما عرفت 2002 صدور القانون رقم 00.78 المتعلق بالميثاق الجماعي ، حيث 3 تضمن بعض اإلصالحات المهمة وأناط بالجماعات اختصاصات واسعة في مجال التنمية المحلية واعتبرت مقتضياته متقدمة مقارنة مع القوانين السابقة المؤطرة للنظام الالمركزي . وفي سنة 2011 صدر الدستور الجديد للمملكة حامال في طياته مجموعة من 4 المستجدات التي شكلت قفزة نوعية وتطورا ملحوظا في مسار اإلصالحات التي شهدها

المغرب في مجال تدبير الشأن العام المحلي ، حيث تم استبدال تسمية الجماعات المحلية بالجماعات الترابية كما تمت دسترة الجهوية المتقدمة وأصبح التنظيم اإلداري الترابي المغربي حسب الفصل األول من دستور 2011 تنظيم ال مركزية يقوم على الجهوية المتقدمة ، عالوة على عنونة الباب التاسع منه بالجهات والجماعات الترابية األخرى . وقد نصت الفقرة األولى من الفصل 135 على أن الجماعات الترابية هي الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات ، وبالتالي شكل دستور 2011 نقطة محورية لمرحلة جديدة من الالمركزية الترابية التي تتمثل أساسا في دعم استقاللية الجماعات إداريا وماليا والعمل على إعادة توزيع االختصاصات وتدبيرها بين الدولة والمجالس الجماعية نحو تعميق أقوى للديمقراطية المحلية وتمكين المواطنين من تدبير شؤونهم المحلية باستقاللية وفعالية . وقد تم تعزيز هذه االصالحات ومواكبتها من خالل إصدار ترسانة جديدة من القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ، وذلك بتاريخ السابع من يوليوز 2015 5 والمتمثلة باألساس في القانون رقم 14.111 المتعلق بالجهات ، والقانون التنظيمي رقم ، ثم القانون التنظيمي رقم 14.113 المتعلق 6 14.112 المتعلق بالعماالت واألقاليم ، لتصبح الجماعات الترابية مؤطرة ومنظمة وألول مرة بقانون تنظيمي 7 بالجماعات .وهكذا وبعد عرضنا ألهم مراحل تطور التنظيم اإلداري الالمركزي في المغرب نستشف أن الجماعات الترابية قطعت أشواطا مهمة ومرت بالعديد من المحطات والتجارب الهامة في مجال السعي نحو تعزيز الديمقراطية المحلية ، وتقريب سلطة القرار من المواطنين وتمكينهم من المشاركة في التدبير العمومي 

 وعلى الرغم من هذه اإلصالحات والتطورات المتتالية التي عرفها المجال الترابي بالمغرب ، فإن أكبر اإلشكاالت التي طرحت على مستوى التنظيم اإلداري الالمركزي هي تلك المتمثلة في العالقة بين السلطة المركزية والسلطة الالمركزية ، فاعتبار الجماعات كشريك للدولة إلى جانب الفاعلين األخرين يحتم وال شك أن تقوم بأدوار كبيرة ومتنوعة على جميع المستويات االقتصادية االجتماعية والتفافية ، وما يتطلب ذلك من توفرها على

 الموارد المالية والبشرية الكفيلة بأداء مهمتها بنجاح ، دون إغفال تمتعها بقدر كافي من االستقاللية للتصرف بحرية في رسم سياستها وأولويتها التنموية . غير أن مبدأ استقاللية الجماعات على مستوى الواقعي يجد أولى حدوده ويصطدم بوجود "رقابة " تمارسها السلطات اإلدارية المركزية وممثليها على الصعيد المحلي ، فهو مجرد استقالل نسبي تضمنه الدولة من خالل احتفاظها بنوع من الرقابة على أشخاص وأعمال الجماعات . وتنبغي اإلشارة هنا إلى أن استقاللية الهيئات المنتخبة بمباشرة اختصاصاتها ال ينبغي أن ينظر إليه على أنه استقالل مطلق لدرجة أن تصبح المجالس الجماعية مستقلة تماما عن السلطة المركزية ، ألن ذلك قد يجعل الالمركزية الترابية تشكل خطرا على وحدة الدولة وسالمة كيانها .وبالتالي فإذا كان مقتضى الالمركزية يمكن في استقالل الهيئات المحلية بمباشرة اختصاصاتها المقررة فإنه ينبغي التنبه إلى أن هذه الهيئات المحلية بمباشرة اختصاصاتها المقررة فإنه ينبغي التنبه إلى أن هده الهيئات المحلية تظل ترتبط بالسلطة المركزية ، التي تملك فرض رقابتها عليها في حدود معينة للمحافظة على وحدة وكيان الدولة وحمايتها من االنقسام . وفي المقابل ينبغي األخذ بعين االعتبار أن الرقابة المطلقة والمشددة من قبل اإلدارة المركزية على الجماعات دون تقديم المساعدة والعون لها من شأنه أن يعيق التنمية . ومن هنا تحتل الرقابة دورا متميزا وجوهريا في مجال التنظيم اإلداري عبر مساهمتها في رصد مواطن الضعف في البناء التنظيمي على مستوى إدارة الجماعات ، باإلضافة إلى دورها األساسي في الحفاظ على المصلحة العامة وفرض االلتزام بالقوانين الضابطة للعمل اإلداري بغية تحقيق الكفاءة اإلدارية المطلوبة . وهكذا نجد أن الجماعات الترابية في المغرب ظلت خاضعة للعديد من األجهزة واألليات الرقابية المختلفة والمتنوعة من حيث المصادر واألسس والمنطلقات . ولعل من بين أهم األشكال الرقابية التي تفرضها اإلدارة المركزية على الجماعات نجد الرقابة اإلدارية ، حيث شكلت هذه االخيرة هاجسا حقيقيا بسبب تقل ممارستها وأنماطها المختلفة التي تنصرف أحيانا إلى رقابة المشروعية وأحيانا أخرى تمتد لتشمل رقابة المالئمة ، وذلك في غياب معايير محددة ومؤطرة تضمن ممارساتها الشيء الذي جعل الجماعات تعاني من إكراهات على مستوى استقالليتها . والبد من اإلشارة إلى أن مفهوم الرقابة اإلدارية هو مرادف بديل للوصاية اإلدارية الذي كان متداوال في القوانين السابقة للنظام الالمركزي ، ومع تطور القوانين المنظمة

للشأن العام المحلي وما واكب ذلك من إصالحات متتالية دفع بالعديد من الفقهاء والباحثين لالعتراض على استعمال الوصاية على اعتبار أن هذا المفهوم يجد أساسه في القانون المدني لغرض حماية األهلية في شخصه أو أمواله ، بينما ال يتالءم استعماله في القانون اإلداري ألن الجماعات أشخاص معنوية عامة تتمتع باالستقالل اإلداري والمالي وتخضع لرقابة يجب أن تكون من الناحية المبدئية متالئمة ومقبولة ، ويكون هدفها التوجيه واإلشراف كي ال تتجاوز الجماعات بتصرفاتها الحدود القانونية المرسومة لها .

وتتعدد اإلصطالحات الرقابية الممارسة على الجهاز اإلداري والوصاية اإلدارية هي مرادف تقليدي للمراقبة التي تمارسها السلطات المركزية أو ممثليها محليا على تنظيم أعمال الجماعات الالمركزية . وجاء في تعريف األستاذة مليكة الصروخ على أن "الوصاية أو الرقابة اإلدارية على انها مجموعة من السلطات المحددة ، التي يخولها للقانون لجهة معينة اإلشراف على 13 أشخاص وأعمال الهيئات المحلية بقصد تحقيق وحماية المصلحة العامة . • الجماعات الترابية : طبقا للفصل 135 من دستور 2011 ؛ تتألف الجماعات الترابية من الجهات والعماالت واألقاليم والجماعات ، وتحدث كل جماعة ترابية أخرى بالقانون، وهي أشخاص إعتبارية خاضعة للقانون العام ، تسير شؤونها بشكل ديمقراطي . وتتكون الجماعات الترابية من 12 جهة و 62 إقليم و 13 عمالة و 1503 جماعة. واستنادا للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والعماالت واألقاليم والجماعات فإن : • الجهة : جماعة ترابية خاضعة للقانون العام ،تتمتع بالشخصية االعتبارية واالستقالل المالي واإلداري وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للملكة، باعتباره تنظيما المركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة استنادا إلى الفقرة الرابعة من الفصل األول من الدستور. • العمالة أو األقليم : جماعة ترابية خاضعة للقانون العام،تتمتع بالشخصية االعتبارية واالستقالل المالي واإلداري وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة •الجماعة : تشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة ، وهي جماعة ترابية خاضعة للقانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية واإلستقالل المالي واإلداري .

ومما سبق يتضح لنا أن الموضوع ينبني على إشكالية أساسية ، عرفت بموجبها الجماعات الترابية مخاضا طويال من اإلصالحات ، بحيث تدخل المشرع مرات عديدة لتطوير إطارها القانوني والمؤسساتي ، حيث يبقى اإلصالح الدستوري األخير سنة 2011 أهم هذه اإلصالحات وأنجعها . ومن هدا المنطلق سنحاول طرح اإلشكاليات التالية التي ستمثل المحاور األساسية لبحثنا : أين تتجلى رقابة القضاء اإلداري على أشخاص الجماعات الترابية ؟ أين تكمن رقابة القضاء اإلداري على أعمال الجماعات الترابية ؟



 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -