أخر الاخبار

الإثبات الجنائي في الجرائم المعلوماتية

الإثبات الجنائي في الجرائم المعلوماتية




تعد الجريمة المعلوماتية كغيرها من الجرائم لها أركانها وعناصرها، وتسير الدعوى الجنائية بالنسبة لها بذات المراحل التي تسير فيها الدعوى في الجرائم التقليدية وتهدف إجراءات التحقيق في هذه الجرائم إلى جمع وفحص الأدلة الإلكترونية القائمة على وقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها، و من أهم هذه الإجراءات كما بينها القانون هي المعاينة، التفتيش، الخبرة القضائية، الضبط، سماع الشهود، مراقبة المحادثات وتسجيلها ، الاستجواب، المواجهة والاعتراف، إلاَ أن بعض هذه الإجراءات لها دور ضئيل في بيئة تكنولوجيا المعلومات، فالشهادة مثلا تقريبا لا يمكن تصور ورودها على السلوك المكون للجريمة المعلوماتية، كون هذه الأخيرة تقتضي التلاعب في البيانات والبرامج فهي غير قابلة من حيث المبدأ لأن تشاهد من جانب الغير حتى يمكن أن يشهد به أمام القضاء شهادة مباشرة، وكما أن الاعتراف الذي يتم عن طريق الاستجواب أو السؤال أو طواعية لا يعد قضائيا كافيا ما لم يدعم بأدلة أخرى غيرها، وبالتالي سوف نقتصر الذكر على ما يصلح منها كأدلة إثبات في الجرائم المعلوماتية لقد مهدت الثورة الصناعية الطريق لظهور ثورة جديدة منذ أواخر القرن العشرين ألا وهي الثورة المعلوماتية و ، التي غيرت حياة الأفراد بشكل كبير في مجالات عدة ، نظرا لما تتميز به من سرعة ودقة في تجميع المعلومات وتخزينها ومعالجتها وكذا تبادلها بين الأفراد والشركات والمؤسسات المختلفة سواء كانت داخل الدولة أو بين عدة دول، كما تعتبر أيضا مستودع لأل ا سرار الخاصة والعملية للأشخاص خاصة بعدما حدث اندماج بين المعلوماتية والاتصال عن بعد، حيث أصبح الإنسان يعيش في البيئة العالمية للتقنية العالية للمعلومات، أين يعتبر الحاسب الآلي والانترنت محورا أساسيا لها .

         وبقدر ما حققت تكنولوجيا المعلومات أثارا إيجابية من إنجازات وتطور ات في المجال الرقمي من خلال الاعتماد ع ليها في الكثير من قطاعات الحياة، فإنها في الوقت نفسه مهدت إلى ظهور أنواع جديدة من الجرائم بالغة الخطورة ، شكلت اعتداءات على الحياة الخاصة للأفراد وسببت في خسائر كبيرة لاقتصاد الدولة ألا وهي الجرائم المعلوماتية بشتى أنواعها، ذلك أن المجرم اليوم وجد تقنية عالية وأساليب حديثة تساعده في ارتكاب الجرائم دون أن يترك أثر للكشف عنها ومعرفة مصدرها، وكما يستطيع أيضا أن يقترف جريمته ضد مجموعة من المجني عليهم في أي مكان يرغب فيه وفي نفس الوقت بعد أن تم الربط بين الحاسب الآلي والشبكة العالمية للانترنت .

       ومن بين أنواع الجرائم المعلوماتية التي نشهدها اليوم، جرائم اختراق شبكات المعلومات والبيانات، تزييف النقود بالوسائل الإلكترونية، تزوير المستندات الإلكترونية، إتلاف البرمجيات وتدميرها، ناهيك عن استخدام الحاسب الآلي كأداة في ارتكاب جرائم تقليدية مثل سرقة الأموال والنصب بواسطة الحاسب الآلي، إلى جانب المواقع الإباحية ودعارة الأطفال عبر الانترنت و غيرها من المواقع المخالفة للأخلاق والآداب العامة .

          لذلك أدى الاستخدام غير المشروع للتقنية المعلوماتية إلى ظهور علم جديد في البحث الجنائي وهو علم البحث الجنائي الرقمي الذي يهتم بالدليل الرقمي بالنظر ل لآثار التي يتركها المتهم المعلوماتي أثناء ارتكابه لجريمة معلوماتية، فقد انعكس التطور الحاصل للوسائل الإلكترونية على قانون العقوبات والذي بدوره انعكس على قانون الإجراءات الجزائية، حيث أن هذا الأخير لا يمكن تطبيقه في ظل عدم إدراج هذه الجرائم المستحدثة في قانون العقوبات، كذلك فإن الإثبات الجنائي الذي يعد أهم موضوعات قانون الإجراءات الجزائية تأثر بدوره بالتطور الهائل الذي لحق الأدلة الجنائية بسبب تطور طرق ووسائل ارتكاب الجريمة، فالإثبات عموما يهدف إلى بيان التطابق بين الشكل القانوني والواقعة المعروضة، وفي سبيل الإثبات يتم استخدام وسائل معينة وهي ما يسمى وسائل الإثبات التي تعتبر نشاط يبذل في سبيل اكتشاف حالة أو مسألة أو شيء ما يفيد في إظهار عناصر الإثبات أي الأدلة .

       و تثير مسألة الإثبات في نظم الحاسوب والانترنت مشكلات في جمع الأ دلة الجنائية ، ذلك باعتبار أن الجرائم المعلوماتية غير مرئية حيث يمثل انعدام الدليل المرئي عقبة كبيرة أمام كشف الجرائم و قد يشكل تشفير البيانات المخزنة إلكترونيا أو المنقولة عبر الانترنت صعوبة أمام إثبات ،ها كما أن سهولة محو الدليل تعد من أهم الصعوبات التي تعترض طرق الوصول إلى أدلة الإثبات الجنائي في مجال الجرائم المعلوماتية، ولا شك أن الطبيعة العالمية التي تتميز بها هذه الجرائم قد تثير مشكلات عدة تتعلق بتحديد الاختصاص المكاني وقواعد سريان القانون الوطني من حيث المكان ، مما يزيد عقبة في الإثبات الجنائي لهذه الجرائم خاصة في حالات ارتكابها خارج النطاق المكاني للإقليم، لذلك فإن التنقيب في هذا النوع من الجرائم يحتاج إلى طرق إلكترونية فنية وتقنية تتناسب مع طبيعتها بشكل يمكنها من فك كلمات المرور السرية وترجمة النبضات الإلكترونية إلى بيانات مقروءة تصلح لأن تكون أدلة إثبات لهذه الجرائم ونسبتها إلى فاعليها و ، تدعى هذه الوسيلة بالدليل الرقمي و ، كذلك تثير مسألة ضمان مصداقية هذا الدليل الرقمي للتعبير عن الحقيقة التي تهدف إليها الدعوى الجنائية في الجرائم المعلوماتية أما عن إشكالية هذا الموضوع ، فباعتبار أن صعوبة كشف وضبط الدليل الرقمي المستخلص من الجرائم المعلوماتية وما يصاحب الحصول عليه من خطوات معقدة، واتساع مسرح هذه الجريمة الذي يتخطى غالبا حدود الدولة الواحدة، وعدم ملائمة القوانين والأنظمة أحيانا لبعض القضايا المطروحة في  هذا المجال، ونظرا لما قد يثيره قبول الدليل الرقمي من مشكلات في الإثبات كدليل جنائي، ذلك أن  مستودع هذه الأدلة هو الوسائل الإلكترونية التي يمكن التلاعب فيها وتغييرها عن الحقيقة التي يجب أن تعبرها عن وعليه من خلال هذه الدراسة نسعى للإجابة عن التساؤل الرئيسي التالي: 

 ما مدى حجية الدليل الرقمي في مجال الإثبات الجنائي الإلكتروني؟ 



تحميل

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -